صدع المتغربون من أبناء جلدتنا رؤوسنا بحديثهم عن حقوق المرأة والمطالبة بحريتها المهدرة في مجتمعاتنا تحت قهر المتدينين والعادات والتقاليد، مدعين على أبناء التيار الإسلامي أنهم يتعاملون مع المرأة بمنظار مادي يركز على الجسد دون الروح والعقل، ومن ثم يتهمون المطالبين بحجاب المرأة وعدم إختلاطها بالرجال أنهم ينطلقون من هذه النظرة المادية البحتة. في المقابل يعتبرون أنفسهم أصحاب النظرة السامية للمرأة بعيدا عن المنظار الغريزي الذي يسيطر على عقول المتدينين.
ويزعم المتغربون أن الفكر الإسلامي يفرض الحجاب على المرأة، ويمنعها من الإختلاط، ويرفض أن يكون لها قضية، نظرا لإنعدام البعد الإنساني في مجمل سياقات الفكر الإسلامي، وأن المرأة كقضية إنسانية كانت خارج الوعي الإسلامي بينما الفكر الليبرالي يتعامل مع المرأة كإنسانة، لا ينظرون إليها وفق النظرة الجسدية.
فهل حقا أصحاب دعاوى تحرير المرأة متسقون مع دعواهم هذه؟ وهل سلوكياتهم الشخصية تتوافق مع هذه الدعاوي وهل يرفعون من إنسانية المرأة؟ لن نجاوب على هذا السؤال ولكننا سنسرد عددا من الشهادات من الماضي والحاضر وفي هذا السرد أكبر إجابة.
الشـــهادة الأولى:
جاءت على لسان أحد أصحاب دعاة السفور الأول في العالم الإسلامي قاسم أمين الذي يعتبره الليبراليون والعلمانيون رائد قضية تحرير المرأة في العالم الإسلامي: حيث يروى أن صديقًا عزيزًا، هو المؤرخ الإسلامي رفيق العظم زار قاسم أمين ذات مرة فلما فتح له الباب قال: جئت هذه المرة من أجل التحدث مع زوجك في بعض المسائل الاجتماعية!، فدهش قاسم أمين كيف يطلب مقابلة زوجته ومحادثتها؟ فقال له صديقه: ألست تدعو إلى ذلك؟ إذًا لماذا لا تقبل التجربة مع نفسك؟ فأطرق قاسم أمين صامتًا، وكلمته زوجة قاسم من وراء ستار وأفهمته أن قاسمًا لم يدعو إلى السفور ولا إلى الخلوة بأجنبي.
يذكر أن زوجة قاسم أمين كانت محجبة حجابًا كاملا، وقد ذكرت في بعض تصريحاتها، بعد وفاته: أنه -أي قاسم- لم يرغمها على السفور عندما كان ينادي إليه، وتقول: إنها ظلت ترتدي البرقع والحبرة، وإن قاسمًا: كان يكتفي بالمناداة بفكرته ولكنه لم يطبقها في أسرته.
الشـــهادة الثانية:
في عام 2008م أصدرت الروائية السعودية سمر المقرن رواية بعنوان نساء المنكر، مكرسة لتشويه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الطريف أن الرواية منعت من دخول الكويت، وأخذت صدى في الصحافة السعودية، وبعد هذه الضجة قام الإعلامي العماني خالد العلوي بإجراء حوار مع الروائية سمر المقرن، ونشر هذا الحوار في صحيفة الصوت الكويتية، ولكن الحوار تضمن في الحقيقة شهادة فاجأت الجميع، تقول سمر المقرن:
الليبراليين في السعودية يتمسحون بالليبرالية وهم أبعد ما يكون عنها، فالليبرالية تعني الحرية وتعني الإنفتاح، لكنهم ينظرون إلى الليبرالية من الجانب التنظيري فقط، فعلى أرض الواقع كل تلك التنظيرات تتبخر وتعد كلاما على ورق، كما أنهم ينظرون إلى المرأة بإعتبارها ماكينة تفريخ، أو أنها وسيلة للترفيه والمتعة والجنس فقط، وينظرون لها نظرة لا أخلاقية.
الشـــهادة الثالثة:
هي للدكتورة "نوره الصالح"، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل، حيث تحكي تجربتها مع التيار الليبرالي قائلة: قضيت سنوات طويلة أؤمن بقيم الليبرالية، أدافع عنها وأناضل في سبيلها، وأدبج الصفحات في جمالها، كانت الليبرالية هي الخيار الوحيد المطروح في الساحة!
لقد آمنت أنه بقليل من التعديل ستتوافق هذه الليبرالية الغربية مع الدين الإسلامي، وستكون مقبولة للناس وستكتسح المجتمعات... وستحكم العالم العربي والإسلامي... قضيت السنوات الطويلة أقرأ في كتب فلاسفة عصر النهضة الغربيَّة، وفي أدبهم وفكرهم ومطارحاتهم، حتى ما عاد في صدري مكان لسواهم!
التحقت بأحد جرائدنا التي توسط لي عندهم أحد أساتذتي الليبراليين ممن يكتبون فيها، وذهبت أكتب في سحر الليبرالية وجمالها، لكن بطريقة ملتوية، خوفاً من مقص الرقيب، وخوفاً من وصمي بالنفاق، أو تكفيري من قبل الإسلاميين.. في الجريدة بدأت خيوط الوهم تتكشف أمام ناظري.. إتصل بي -من خلال البريد- الكثير من الليبراليين والليبراليات للتواصل ودعم التوجه الليبرالي بزعمهم.. وخلق جبهة ليبرالية تنسق فيما بينها وتتعاون في سبيل أهداف الجميع.
طوال هذه المدة لم أكن لأترك الصلاة، فقد كانت من المحرمات الكبيرة في حياتي، لكنني منذ أن تعرفت على بعض الكاتبات الليبراليات وجدت عندهن تفريطاً رهيباً في الصلاة، بل وبعض الجريئات منهن يطلقون على المثقفة المواظبة على الصلاة بعض ألقاب كالمطاوعة التي تتظاهر بالمزاح وتخفي اللمز.!
لم يتوقف الأمر عند الصلاة، بل أنني بدأت أشم بين بعض الزميلات والزملاء الليبراليين شيئاً من رائحة المشروبات والعلاقات غير المشروعة.. صحيح أن الأمر لم يكن عاماً بين الجميع. لكن البقية لم تكن ترى أن هذا شيئاً خطيراً.. بل تراه مجرد خيار شخصي يجب عدم إعطائه أكبر من حجمه. هجر الصلاة.. والمشروبات... والعلاقات غير المشروعة.. رأي شخصي!
لم أستطع بتاتاً تصور ذلك..
المهم هناك أيضاً ممارسات أخرى لكن أنزه آذانكم عن قولها..
بصراحة لم تكن شعرة الإنفصال الأولى هي خلاف فكري مع الليبراليين لكنها كانت صدمة الانحطاط السلوكي بينهم.. هالني جداً ولازال هذا الإنحطاط الأخلاقي الكبير بين شباب وفتيات الليبراليَّة في وطني، وبدأ زعم المصداقية والشرف والأمانة الذي يدعونه ليل نهار يتزعزع عندي.. بدأت تنازعني الشكوك حول مصداقية دعاة الليبرالية في بلادي، وبدأت أفتح عيني جيداً.
تكشفت لي الكثير جداً من الأسرار من خلال كتاباتي في الجريدة، وإتصالي بالليبراليات والليبراليين ومحاورتهم.
إكتشفت أن هناك علاقات بين بعض الكتاب والكاتبات برغم أن البعض منهم متزوجون!
إكتشفت لقاءات دورية مشبوهة في إستراحات خارج المدينة تُدار فيها أشربة محرمة، ورقص الفتيات في حضور كتاب وكاتبات بعضهم معروف في الصحافة.. وأكثرهم ناشط فقط في الكتابة الإنترنتية.
إكتشفت أن هناك الكثير من اللقاءات غير المشروعة تُعقد خارج المملكة، بعض تلك اللقاءات كانت تتم على خلفية معارض الكتاب خارج المملكة.. أو في البحرين على خلفية عرض سينمائي!
صارت كلمة معرض كتاب في الخارج وسينما في البحرين تثير في خيالي الكثير من الذكريات المؤلمة لشبان وفتيات مخدوعين لازلت أتذكر بداياتهم النقية.
الشـــهادة الرابعة:
للكاتبة وداد خالد، التي إعتادت الكتابة في المواقع الليبرالية خاصة موقع الشبكة الليبرالية، وكانت أن تعود إلى الحق وتعرف طريق الهداية وتعلن التبرؤ من هذا الفكر الذي ظلت تنتمي إليه لسنوات عديدة، وقد روت خالد تفاصيل كثيرة في تغريداتها على التويتر تفاصيل كثيرة عن هذه المرحلة من حياتها، ومما كتبته على صفحتها الشخصية: أقسم بربي أني أكتب كلماتي ودموعي تهل من وجناتي، أحب أذكر لمن سأل عن مذهبي الآن أنا من أهل السنة والجماعة والليبرالية الخبيثة لا مكان لها عندي الآن ولله الحمد، مضيفة: ما يحتاج أحد يعرف الليبرالية في الغرب فكر سياسي إقتصادي وإلى آخره.. الليبرالية هنا ببساطة عهر وخمر وإلحاد وسهرات حمراء.
ثم أخذت تسترسل كيف يتم دعوة الشباب والفتيات لهذا الفكر الخبيث، من خلال إقامة العلاقات غير المشروعة وإغراق الشباب والفتيات في الشهوات والفجور والخمور، حتى يتم التحكم فيهم من خلال غرائزهم، مشيرة إلتورط تهاجم الحجاب وأطلقت دعوة علنية بحرقه، لكن الله قدر لها عدد من الأسماء الصحفية والروائية المشهورة في هذه الأعمال.
الشـــهادة الخامسة:
وهي للكاتبة نادين البدير وهي من المشهورات بمواقفها المتطرفة ضد الدين، والتي كان أشهرها الدعوة إلى تعدد الأزواج، تقول نادين: في مقالة لها بعنوان العفن الليبرالي السعودي: الليبراليون كاذبون، منافقون، متقلبون اسأل الفرد منهم: هل أنت ليبرالي؟ فيجيب: والله حسب مفهومك لليبرالية.
أعيد سؤالي: يعني أنت ليبرالي أم لا؟
فيجيب: أنا إنساني أطالب بالتعديل والإصلاح، أعيد سؤالي: أنت ليبرالي؟ أجبني نعم أم لا.
يقول: لا.
غوغائيون، بهيمون، يقولون ما لا يفعلون.
المثقفون السعوديون يدعون إلى الحرية والإنفتاح، ويزعمون أنهم يقومون بالتغيير والإصلاح وأنا أزعم أنهم يخربون البلد، ويرجعونه للوراء أكثر مما أرجعه المتشددون، فلا حرية أو إصلاح يتصالحان مع عناصر هدامة كالخوف والخجل.
ما يزرعونه هو النفاق والإلتواء، تجدهم في كل مكان ينظرون ويحللون وليس أكثر، منهم يتحدث عن الحرية، لكنها حرية مغشوشة، يمسكون بسلاح الليبرالية للتأكيد على مدنيتهم وعصريتهم، فيما هم تقليديون حتى النخاع، نساء غالبيتهم مازلن بالعباءات، نساء غالبيتهم لا يكشفن على مخلوق، يحبون الليالي الحمراء، صاروا مشهورين بتلك الليالي.
أخيرا:
بعد هذه الشهادات والتجارب من أصحاب الفكر الليبرالي نفسه، وممن هم قريبين منهم، تتضح تماما الصورة ونعرف الإجابة على السؤال الذي بدأنا به المقالة، من هو الذي يرفع من شأن وقيمة المرأة، الليبراليون أم أبناء التيار الإسلامي؟.
الكاتب: طارق السيد